فصل: الحكم الثالث: هل يجوز التبني في الإسلام؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: هل تقع المعصية من الأنبياء؟

من المعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون عن ارتكاب الذنوب والمعاصي. فإن العصمة من صفاتهم. فلا يمكن أن تقع معصية من الأنبياء أو تحصل منهم مخالفة لأوامر الله عز وجل. لأنهم القدوة للخلق وقد أمرنا باتباعهم. فلو جاز عليهم الوقوع في المعصية لأصبحت طاعتهم غير واجبة أو أوصبحنا مأمورين باتباعهم في الخير والشر. لذلك عصمهم الله من الذنوب والآثام، فكل ما ورد في القرآن الكريم مما ظاهره يخالف عصمة الأنبياء فلابد من فهمه على الوجه الصحيح حتى لا يتعارض مع الأصل العام. فقوله تعالى هنا {ولا تطع الكافرين والمنافقين} لا يفهم منه أنه صلى الله عليه وسلم مال إلى طاعتهم، أو أحب موافقتتهم على ما هم عليه من نفاق وضلال. وإنما هو تحذير للأمة جاء في صورة خطاب للرسول عليه السلام ومما يدل عليه قوله تعالى: {إن الله كان بما تعملون خبيرا} حيث جاء بصثغة الجمع وقد عرفت ما فيه.

.الحكم الثاني: هل الظهارمحرم في الشريعة الإسلامية؟

دلت الآيات الكريمة على أن الظهار كان من العادات المتبعة في الجاهلية وكان من أشد أنواع الطلاق.
حيث تثبت به الحرمة المؤبدة وتصبح الزوجة المظاهر منها- في اعتقادهم- أما كالأم من النسب، فأبطل الإسلام ذلك، واعتبره بهتانا وضلالا، وحرم الظهار ولكنه جعل حرمته مؤقتة إلى أن يكفر عن ظهاره. قال تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسآئهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور} [المجادلة: 2] فالظهار في الإسلام منكر ولكن له كفارة يتخلص بها الإنسان من الإثم، وستأتي أحكام الظهار مفصلة إن شاء الله عند تفسير سورة المجادلة.

.الحكم الثالث: هل يجوز التبني في الإسلام؟

كما أبطل الإسلام الظهار أبطل التبني وجعله محرما في الشريعة الإسلامية لأن فيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله تعالى منه صرفا ولا عدلا».
وجاء في الحديث الصحيح: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من ادعى إلى غير أبيه- وهو يعلم أنه غير- فالجنة عليه حرام».
قال في تفسير روح المعاني: وظاهر الآية حرمة تعمد دعوة الإنسان لغير أبيه، ولعل ذلك فيما إذا كانت الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية. وأما إذا لم يكن كذلك كما يقول الكبير للصغير على سبيل التحنن والشفقة يا ابني، وكثيرا ما يقع ذلك فالظاهر عدم الحرمة.
وقال ابن كثير في تفسيره: فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبب، فليس مما نهي عنه في هذه الآية بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات لنا من جمع، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس.
كما نادى النبي صلى الله عليه وسلم أنسا فقال له: يا بني.

.الحكم الرابع: ما المراد بالخطأ والعمد في الآية الكريمة؟

نفى الله سبحانه وتعالى الجناح الإثم عمن أخطأ، وأثبته لمن تعمد دعوة الرجل لغير أبيه وقد اختلف المفسرون في المراد من الخطأ والعمد في الآية الكريمة على قولين:
أ- ذهب مجاهد إلى أن المراد بالخطأ هنا ما كان قبل ورود النهي والبيان، والعمد ما كان بعد النهي والبيان.
ب- وذهب قتادة إلى أن الخطأ هنا ما كان من غير قصد فقد أخرج ابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية: لو دعوت رجلا لغير أبيه، وأنت ترى أي تظن أنه أبوه، لم يكن عليك بأس، ولكن ما تعمدت وقصدت دعاءه لغير أبيه أي فعليك فيه الإثم.
فعلى الرأي الأول يكون المراد بالخطأ الذي رفع عنهم فيه الإثم هو تسميتهم الأدعياء أبناء قبل ورود النهي. وأن العمد الذي ثبت فيه الإثم هو ما كان بعد ورود النهي، ويصبح معنى الآية: ليس عليكم إثم أو حرج فيما فعلتموه بعد الإسلام، وبيان الأحكام.
وعلى الرأي الثاني يكون المراد بالخطأ ما وقع منهم عن غير قصد أو تعمد، والعمد ما كان عن إصرار وقصح، ويصبح معنى الآية: ولا جناح عليكم فيما سبق إليه اللسان على سبيل الغلط من نسبة الإنسان إلى غير أبيه بطريق الخطأ أو النسيان، وأما ما تقصدتم نبته إلى غير أبيه مع علمكم بأن هذا الولد من غيره فعليكم الإثم والحرج.
وقد رجح أبو حيان في تفسيره البحر المحيط الرأي الثاني، وضعف الأول وقال: قوله تعالى: {فيمآ أخطأتم به} قيل: المراد به رفع الحرج عنهم فيما كان قبل النهي، وهذا ضعيف، لا يوصف بالخطأ ما كان قبل النهي.
وقيل: فيما سبق إليه اللسان، إما على سبيل الغلط، أو على سبيل التحنن والشفقة، إذ كثيرا ما يقول الإنسان للصغير: يا بني، كما يقول للكبير: يا أبي على سبيل التوقير والتعظيم.

.الحكم الخامس: ما هو حكم الاستلحاق في الشريعة الإسلامية؟

الاستلحاق الذي أباحه الإسلام، ليس من التبني المحرم المنهي عنه في شيء، فإن من شرط الحل في الاستلحاق الشرعي أن يعلم المستلحق بكسر الحاء أن المستلحق بفتح الحاء ابنه. أو يظن ذلك ظنا قويا، وحينئذ شرع له الإسلام استلحاقه. وأحله له. وأثبت نسبه منه. بشروط مبينة في كتب الفقه. أما التبني المنهي عنه فهو دعوى الولد مع القطع بأنه ليس ابنه، وأين هذا من ذاك؟

.الحكم السادس: هل يباح قول: يا أخي أو يا مولاي؟

ظاهر الآية الكريمة {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} أنه يباح أن يقال في دعاء من لم يعرف أبوه: يا أخي، أو يا مولاي، إذا قصد الأخوة في الدين، والولاية فيه، لا أخوة النسب وقرابته، فإن الله تعالى جعل المؤمنين إخوة {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10] ومعلوم أنه لا يراد بها أخوة النسب فدل على جواز قول المسلم: هذا أخي يقصد بها أخوة الإسلام وقرابة الدين.
وخص بعض العلماء ذلك بما إذا لم يكن المدعو فاسقا. وكان دعاؤه ب يا أخي أو يا مولاي تعظيما له فإنه يكون حراما، لأننا نهينا عن تعظيم الفاسق، فمثل هذا يدعى باسمه، أو بقولك: يا عبد الله، أو يا هذا، ففي الحديث الشريف: «لا تقولوا للمنافق يا سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أغضبتم ربكم».

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا- تقوى الله عز وجل زاد المؤمن. ووصية الله في الأولين والآخرين.
ثانيا- من شروط الإيمان التوكل على الله، والالتجاء إليه في جميع الأحوال والأوقات.
ثالثا- الخرافات والأساطير ليس لها وجود في شريعة الإسلام ولذلك حذر الإسلام منها.
رابعا- ادعاء أن الرجل الأريب اللبيب له في جوفه قلبان دعوى باطلة مخالفة للشرع والعقل.
خامسا- الاعتقاد بأن الزوجة المظاهر منها تصبح أما من مزاعم الجاهلية الجهلاء.
سادسا- حرمة التبني في الإسلام، ووجوب دعوة الأبناء ونسبتهم إلى آبائهم.
سابعا- جواز قول الإنسان يا أخي ويا مولاي إذا قصد أخوة الدين وولايته.
ثامنا- الله تعالى رحيم لا يؤاخذ العبد على ما صد منه عن خطأ بل يعفو عنه ويغفر.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
بدعة التبني في الجاهلية:
أشرقت شمس الإسلام على الإنسانية، والمة العربية لا تزال تتخبط في ظلمات الجاهلية، وتعيش في ضلالات وأوهام، وتعتقد بخرافات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان، هي من بقايا مخلفات العصر الجاهلي التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
وما كان الإسلام ليتركهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون دون أن ينقذهم مما هم فيه من سفه، وجهالة، وكفر، وضلالة!!.
فكان من رحمة الله تعالى أن أنتشل الأمة العربية، من أوحال الجاهلية. وخلصها من تلك العقائد الزائغة، والأوهام الباطلة، وغذاها بلبان الإيمان، حتى أصبحت خير أمة أخرجت للناس.
ولقد كانت بدعة التبني من أظهر بدع الجاهلية، وتفشت هذه البدعة حتى أصبحت دينا متوارثا، لا يمكن تعطيله أو تبديله لأنه دين الآباء والأجداد، {إنا وجدنآ آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 23].
كان العربي في الجاهلية. يتبنى الرجل منهم ولد غيره، فيقول له: أنت ابني أرثك وترثني فيصبح ولده وتجري عليه أحكام البنوة كلها. من الإرث، والنكاح، والطلاق، ومحرمات المصاهرة، وغير ذلك مما يتعلق بأحوال الابن الصلبي على الوجه الشرعي المعروف.
ولحكمة يريدها الله عز وجل ألهم نبيه الكريم- قبل البعثة والنبوة- أن يتبنى أحد الأبناء. جريا على عادة العرب في التبني. ليكون ذلك تشريعا للأمة في إنهاء التبني. وإبطال تلك البدعة المنكرة، التي درج عليها العرب ردحا طويلا من الزمن.
فتبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الأبناء، هو زيد بن حارثة وأصبح الناس منذ ذلك الحين يدعونه زيد بن محمد حتى نزل القرآن الكريم بالتحريم فتخلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تبنيه، وعاد نسبه إلى أبيه فأصبح يدعى زيد بن حارثة بن شرحبيل.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن {ادعوهم لآبآئهم هو أقسط عند الله} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت زيد بن حارثة بن شرحبيل».
أما سبب تبنيه عليه السلام لزيد قبل البعثة- مع كراهته الشديدة لعادات الجاهلية- فهو لحكمة يريدها الله، ولقصة من أروع القصص حدثت معه عليه الصلاة والسلام.
وخلاصة القصة: أن زيدا كان مع أمه عند أخواله من بني طي، فأغارت عليهم قبيلة من قبائل العرب، فسلبتهم أموالهم وذراريهم- على عادة أهل الجاهلية في السلب والنهب- فكان زيد من ضمن من سبي فقدموا به مكة فباعوه، فاشترته السيدة خديجة بنت خويلد فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجب بنبوغه وذكائه، فوهبته له فبقي عند رسول الله عليه السلام يخدمه ويرعى شؤونه.
وكان أبوه حارثة بن شرحبيل بعد سبيه يبكي عليه الليل والنهار، وينشد فيه الأشعار، وقد ذكر العلامة القرطبي قصيدة طويلة من شعر حارثة في الحنين لولده مطلعها:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ** أحي يرجى أم أتى دونه الأجل

تذكرنيه الشمس عند طلوعها ** وتعرض ذكراه إذا غربها أفل

وبلغ حارثة الخبر بأن ولده عند محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، فقدم مع عمه، حتى دخل على رسول الله، فقال يا محمد: إنكم أهل بيت الله، تفكون العاني وتطعمون الأسير، ابني عندك فامنن علينا فيه، وأحسن إلينا في فدائه، فإنك ابن سيد قومه، ولك ما أحببت من المال في فدائه!!.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيكم خيرا من ذلك، قالوا ما هو؟ قال: أخيره أمامكم، فإن اختاركم فهو لكم بدون فداء، وإن اختارني فما أنا بالذي أرضى على من اختارني فداء، فقالوا: أحسنت فجزاك الله خيرا.
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا زيد: أتعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي، وهذا عمي، فقال يا زيد: هذا أبوك، وهذا عمك، وأنا من عرفت، فاختر من شئت منا، فدمعت عينا زيد وقال: ما أنا بمختار عليك أحدا أبدا، أنت مني منزلة الوالد والعم.
فقال له أبوه وعمه: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية؟ فقال زيد: لقد رأيت من هذا الرجل من الإحسان، ما يجعلني لا استيطع فرقه وما أنا بمختار عليه أحدا أبدا.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس وقال: اشهدوا أن زيدا ابني أرثه، ويرثني. فطابت نفس أبيه وعمه لما رأوا من كرامة زيد عليه صلى الله عليه وسلم. فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن الكريم. {ادعوهم لآبآئهم هو أقسط عند الله} فدعي زيد بن حارثة. ونزل قوله تعالى: {ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] الآية.
وانتهى بذلك حكم التبني. وبطلت تلك البدعة المستحدثة بتشريع الإسلام الخالد. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق اللَّهَ وَلَا تُطع الْكَافرينَ وَالْمُنَافقينَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَليمًا حَكيمًا (1)}.
أخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة، دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم، وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه، فأنزل الله: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {ولا تطع الكافرين} أبي بن خلف {والمنافقين} أبو عامر الراهب، وعبد الله بن أُبي بن سلول، والجد بن قيس.
{مَا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ منْ قَلْبَيْن في جَوْفه}.
أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي، فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين؟ قلبًا معكم، وقلبًا معهم. فأنزل الله: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}.